الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة بعد الثورة: شعار التونسيين من الموظفين إلى الرياضيين : «نحبّوها سبّاقة وجرّاية وما تاكلش الشّعير»

نشر في  07 ماي 2014  (17:45)


ما من شك في أن النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة وتجسيم الأحلام والتطلعات رهينة التضحية والمثابرة والعمل، لذلك لا أحد يشك في قيمة العمل سواء للفرد أو المجتمع..وماكانت الدول المتقدمة لم تصل إلى هذا المستوى من الازدهار والتطور في الإكتشافات والعلوم والإبحار في الفضاء لو لا جدية شعوبها وانصرافها للكدّ والبذل.. كما أن أسلافنا المسلمين لم يبنوا حضارتهم الإنسانية الكبيرة إلا بتفانيهم في العمل، ولقد تراجع العرب بسبب العزوف عن العمل وغياب الجدية والتفاني حتّى أصبحنا شعوبا مستهلكة لا تنتج ولا تجتهد، بقدر ما تنتظر الجاهز الذي يأتي من الغرب. ورغم أن الدين الإسلامي يحث على العمل الأمر بل جعله يكون في منزلة العبادة نظرا للآثار السلبية للبطالة على المجتمعات والأسر.
في تونس، لاحظ الجميع الكسل الذي ضرب العديد من العمال والموظفين بعد الثورة وحالة اللامبالاة التي أصبحنا نعانيها في الإدارات والمؤسسات العمومية والوزارات حيث كثرت الغيابات وتراجعت المردودية بشكل لم يسبق له مثيل نظرا لغياب الصرامة في التعامل مع المتغيّبين والمتكاسلين و»الكركارة» الذين ساهموا في إفلاس البلاد بعد إنحسار مردودهم وقلة إنتاجهم ومحدودية عطائهم.. وقد روى لي أحد الأصدقاء الذي يشغل خطة مدير في مؤسسة حكومية حادثة تُلخّص الوضع الذي وصلنا إليه في الإدارة التونسية، حيث ذكر محدّثي أن الإنفلات في الإدارة بلغ درجة لا تطاق وأشار إلى أن الموظفين يأتون متأخّرين للعمل بشكل غير مسبوق، وقد وجد نفسه مجبرا في عديد المناسبات على البقاء في أحد المقاهي المتاخمة لإدارته ينتظر قدومهم قبل الصعود إلى مكتبه لأنه -والقول له- غير قادر على اتخاذ الإجراءات التأديبية تجاه المخالفين بسبب من تسمّى بالنقابات والتحالفات بين الموظفين الذين قد يُعرقلون العمل أو يعتصمون في المؤسسة أو يُلوّحون بالإضراب إذا سُلّطت على بعضهم عقوبات إدارية.. وأشار هذا الصديق إلى أن الجميع بات يشعر أنه فوق القانون وفوق المحاسبة، وهناك من يعتقد أن الثورة تسمح له بالمجيء متى شاء والمغادرة عندما يُريد!!
ما يحدث في هذه الإدارة العمومية هو عيّنة لما يحدث في إدارات أخرى سقط فيها السلم الإداري التفاضلي بالضربة القاضية مثلما سقطت كلمة المدير والمسؤول الذي بات يخشى بدوره كلمة «ديقاج» إذا حاول تطبيق القانون و التزام الحزم مع الموظفين المتكاسلين والمخالفين. لن نتحدّث عن الأوقات المخصصة للفايسبوك ولمواقع التواصل الإجتماعي المختلفة التي غزت الإدارات، ولا عن تعطّل شؤون المواطنين الذين منهم من اضطرّ إلى دفع «قهوة» لموظف حتّى يعتني بملفه، ومنهم من استجدى موظفا آخر حتّى يقضي حاجته، فهذه معاناة يومية يعيشها الناس في علاقتهم بالإدارة والمؤسسات العمومية الأمر الذي ساهم وبشكل كبير في تردي الأوضاع الإقتصادية وتراجع نسق التنمية وارتفاع ظاهرة الرشوة لنجد أنفسنا امام معضلة حقيقية وهي: رواتب تُدفع ومنح وحوافز تُصرف لمُوظفين لا يُعطون سوى الثلث أو على أقصى تقدير النصف من مجهوداتهم وواجباتهم المهنية دون اعتبار الحالات الإستثنائية باعتبار أن التّعميم مرفوض في مثل هذه الحالات لأنه سيظلم بالتأكيد موظفين شرفاء يقبضون رواتبهم بعرق الجبين ويعطون بلا هوادة احتراما للواجب وتقديسا للعمل..
هؤلاء المتكاسلون سيطرت عليهم عقلية التواكل وحب الذات واعتقدوا خطأ أن الثورة مكنتهم من الحرية وأن هذه الحرية تُخوّل لهم المجيء والخروج والعمل كما يريدون ومثلما يشتهون، وفاتهم أن العمل هو الحرية، وهو الكرامة، وهو التوازن النفسي والاجتماعي، وهو الحاضر والمستقبل، وأن الفرد الذي لا يعمل- مع توفر العمل وكانت له القدرة على إيجاده- فرد معدوم، والشعب الذي لا يعمل شعب مهدّد بأكبر المخاطر.
لقد كان أنبياء الله ورسله يحترفون مهنا مختلفة، فقد كان آدم عليه السلام يعمل في الزراعة وداود عليه السلام في الحدادة ونوح عليه السلام في التجارة وموسى عليه السلام في الكتابة وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الرعي والتجارة، كما أن من الصحابة الكرام من امتهن التجارة كأبي بكر الصديق، والرعي كعبدالله بن مسعود، وصناعة الأحذية كسعد بن أبي وقاص والخياطة كالزبير بن العوام لأن الإسلام يعتبر العمل عبادة لذلك أكد على أهميته وضرورته للفرد والمجتمع مثلما أكد على ضرورة قيام العامل بأداء عمله بالدقة والإخلاص وحذر من خيانة الأمانة وحمّل العامل مسؤوليته عن الأخطاء الناشئة بسبب تقصيره أو خيانته.
إنطلاقا من ذلك لا بد من حملة توعية واسعة النطاق للتأكيد على أهمية العمل وحاجة البلاد إلى كل ساعة عمل ووضع خطة وطنية لمقاومة الغيابات غير المبررة والكسل والتمارض لأنه لا مستقبل لأمة لا تعمل ولا تعطي قيمة للعمل.. والمشكلة أن الأمر إستفحل وبات عدد ليس بالقليل من الناس يرفعون شعار «سباقة وجرّاية وما تاكلش شعير»، وحتى في الرياضة فإننا نريد التتويجات والانتصارات والميداليات دون جهد ولا شقاء، لذلك هناك من يلجأ إلى شراء ذمّة حكم لكسب مبارة هامة أو إغراء لاعبين من فريق منافس للتخاذل ومساعدته على تحقيق نتيجة إيجابية، أو تناول منشطات للحصول على ميدالية وغيرها من الأساليب الأخرى التي تدخل كلّها في خانة التمويه والغش لتحقيق أهداف ونتائج وتتويجات غير مستحقة لأنها لم تتحقق بالعمل والمثابرة والكد والجهد.
لذلك نؤكد على أهمية العمل باعتباره قيمة حضارية سادت المجتمعات الإنسانية، ونادت به الديانات السماوية والقوانين الوضعية منذ أقدم العصور، وبفضله أقيمت الحضارات فى شتى المجالات وبالتالي لا بد أن تعود إليه قيمته لعلّنا نصلح أحوالنا بعد أن أصبحنا نستجدي الدول القريبة والبعيدة لإعانتنا ودعمنا بالمال ليس من أجل التنمية والبناء والإعمار، بل من أجل دفع أجور ورواتب العاملين والموظفين، بمعنى آخر أصبحنا نتسوّل لنأكل ونشرب ونعيش.. والغريب أننا نُوهم أنفسنا بأننا الأحسن والأفضل والأذكى والحال أننا شعب مستهلك لا يُنتج ولا يعمل بالشكل الذي يتماشى مع أحلامنا وأمانينا ومستوى معيشتنا.. والثابت أن تقدم الأمم رهين مدى اجتهاد شعوبها وانصرافها للعمل في جميع المجالات، بدليل أن اليهود الذين لا يزيد عددهم على 12 مليون في العالم يسيطرون على الولايات المتحدة والغرب بالعمل والجد والمعرفة بينما لا نرى أي فعالية تذكر لأكثر من مليار مسلم.
بقلم: عادل بوهلال